الجزء الأول: الكاتب الغامض
"مساء الخير.. قريت التعليق بتاعك على قصتي في جروب الكتابة. أسلوبك في الوصف لفت نظري جدًا".
دي كانت أول رسالة من "أحمد". راجل غامض ظهر فجأة في جروب كتابة على فيسبوك أنا عضوة فيه. كنت دايمًا حذرة من الغرباء على النت، خصوصًا في مجالنا ده المليان شخصيات غريبة. بس المجاملة، لما بتيجي من حد واضح إنه بيفهم في مجالك، بيكون ليها طعم تاني.
رديت بحذر: "شكرًا لذوقك. حضرتك بتكتب برضو؟"
"أيوة.. وبموت في الكلام مع الناس اللي دماغها زي دماغي. عندي قصة قصيرة لسه مخلصها، يهمني أعرف رأيك فيها".
ومن هنا بدأت. علاقة افتراضية فريدة من نوعها. محادثاتنا اليومية مبقتش بس عن الكتابة وتقنيات السرد. بقت عن أحلامنا، مخاوفنا، أسرارنا الصغيرة اللي عمرنا ما قولناها لأقرب الناس لينا. أحمد كان عايش في دبي، وده كان مخليني واخدة راحتي تمامًا. علاقة أفلاطونية آمنة، بيفصل بيننا آلاف الأميال وبحر من الأمان. كان هو الراجل المثالي اللي كل ست تحلم بيه: بيفهمني من غير ما أتكلم، بيشجعني، وبيحتوي كل أفكاري المجنونة. بس كان موجود في عالم افتراضي. لحد ما في يوم، كتبلي الجملة اللي قلبت كل حاجة: "عندي شغل في القاهرة الشهر الجاي".
قد يعجبك أيضاً: قصص جنسية مصرية جاري طلب مني أساعده في إصلاح السيّارة.. وبعدها؟
الجزء الثاني: اللقاء
"أنا في القاهرة النهاردة. ممكن نتقابل؟"
الرسالة دي خلت قلبي يدق كأنه هيخرج من مكانه. العالم الافتراضي الآمن بتاعي كان على وشك إنه يبقى حقيقة. الخيال كان هيتحول لواقع.
"مش عارفة.. مقابلات النت دي مش مضمونة". كتبت وأنا إيدي بتترعش.
"هنكون في مكان عام، مكتبة عامة في مدينة نصر. كل اللي عايزه إني أهديكي نسخة من أول كتاب ليا اتطبع. وأشوفك".
إصراره كان جذاب، والفكرة كانت رومانسية بشكل ميتقاومش. وافقت. آخر رسالة منه كانت: "هكون لابس قميص أزرق وماسك شنطة سفر صغيرة".
دخلت المكتبة وأنا بدور بعيني على القميص الأزرق. كان فيه كذا واحد، بس محدش فيهم كان شكله "أحمد" بتاع أحلامي. كنت على وشك ألف وأمشي، خيبة الأمل كانت بتتملكني. وفجأة سمعت صوت من ورايا، صوت أعرفه كويس، بس مسمعتهوش من سنين طويلة. صوت كان جزء من ماضي أنا دفنته.
"سلمى؟"
الجزء الثالث: الصدمة
التفتت... وتجمدت في مكاني. الراجل اللي واقف قدامي مكنش "أحمد".
"ياسين؟!"
كان ياسين. صاحبي من أيام الجامعة. أقرب صاحب ليا، اللي كان زي ضلي، واللي اختفى من حياتي فجأة من خمس سنين وسافر من غير حتى ما يقولي سلام. ترك فراغ كبير محدش قدر يملاه.
ابتسم ابتسامة كبيرة، نفس الابتسامة اللي كنت أعرفها زمان، بس النهاردة كانت مرعبة. وقال: "أنا أحمد".
"إزاي؟ ليه؟ ليه عملت كده؟" قلت وأنا بحس بالدنيا بتلف بيا.
قرب مني وقعدني على كرسي. "عشان مكنتش أقدر أكلمك بصفتي ياسين. عشان من أيام الجامعة وأنا بحبك، وكنت جبان إني أقولك. السنين اللي فاتت دي كلها وأنا بتابعك من بعيد. كل القصص اللي كنت بكتبها باسم 'أحمد'... كلها كانت عنك وليكي".
الجزء الرابع: دعوة أم تهديد؟
كنت ببصله ومش قادرة أستوعب. حبيبي الافتراضي، توأم روحي اللي كنت بحكيله كل أسراري، طلع صاحبي اللي كسر قلبي باختفائه.
قال وعينيه بتلمع: "مش حابة نكمل كلامنا في مكان أهدى؟ أنا عندي شقة هنا في الزمالك، نقدر نروح هناك ونتكلم براحتنا".
"لأ طبعًا! ده جنون! أنا لازم أمشي". قمت وقفت وأنا عايزة أهرب من الموقف كله.
قام وقف قدامي، وسد الطريق. "بس أنا معايا كل رسايلك. كل أحلامك اللي حكتيهالي. كل أسرارك اللي قولتيهالي وأنتي فاكراني 'أحمد'". فتح موبايله ووراني الشات بتاعنا. "أنا عايز أعيش معاكي الحلم ده ليلة واحدة بس".
"أنت بتهددني؟"
"أنا بحبك. وعايزك تبقي بتاعتي".
الجزء الخامس: الشقة... أم المتحف؟
معرفش إزاي استسلمت ومشيت معاه. يمكن الخوف من فضيحتي، ويمكن الفضول القاتل إني أعرف آخرة الجنون ده إيه.
الشقة في الزمالك كانت على النيل. أول ما دخلت، النور كان خافت، ومزيكا هادية شغالة. "أنا جهزت كل حاجة زي ما بتحبي بالظبط". قالها وهو بيقفل الباب ورايا.
بس بدل ما يقرب مني، شاورلي على أوضة جانبية. "تعالي، عايز أوريكي حاجة".
فتحت الباب ودخلت، وصرخت صرخة مكتومة.
الأوضة مكنتش أوضة نوم. كانت متحف. متحف عني أنا. الحيطان كانت متغطية بصوري، صور ليا من أيام الجامعة، صور من بروفايلي على فيسبوك، وصور... صور ليا في أماكن عامة متصورة من بعيد من غير ما أعرف. وعلى الحيطان التانية، كان معلق بروايز فيها رسايل الشات بتاعتنا، أهم الجمل، أهم الاعترافات.
"إيه ده؟!" قلت وأنا برجع لورا.
قال بهدوء مرعب: "ده العالم بتاعنا. العالم اللي بنيته ليكي وليا".
الجزء السادس: اللعبة الأخيرة
سحبني من إيدي ودخلني الصالة. كانت مترتبة بالظبط زي مشهد كنت وصفتهوله في قصة من قصصي، عن "اللقاء المثالي". نفس الكنب، نفس لون الورد، نفس نوع العصير.
"دلوقتي... هنعيش القصة بتاعتنا". قال وهو بيقعدني على الكنبة. "قولي الحوار بتاعك".
"حوار إيه؟"
"الحوار اللي كتبتيه في القصة. إنتي البطلة، وأنا البطل. وإحنا هنمثل قصتنا".
ده مكنش عايز علاقة. ده كان عايز يمتلكني، يحولني لشخصية في رواياته. يجبرني أعيش جوه خياله المريض. في اللحظة دي، تليفونه رن. كانت مامته. صوته اتغير تمامًا وهو بيرد عليها بصوت ابن بار ومطيع. دي كانت فرصتي الوحيدة.
الجزء السابع: ما بعد الكابوس
جريت من الشقة زي المجنونة. سمعت صوته بينادي ورايا، بس أنا فضلت أجري في شوارع الزمالك وأنا مش شايفة قدامي.
والنهاردة... أنا قاعدة في بيتي بقالي يومين، قافلة على نفسي ومش برد على أي تليفونات.
رسايله بتجيلي ورا بعض. كلها اعتذارات، ورجاء إني أديله فرصة تانية.
والكارثة الأكبر، إن صاحباتي لما حكيتلهم، قالولي إني غبية. "راجل بيحبك كل ده وعمل كل ده عشانك وتهربي منه؟ دي فرصة عمرك!".
محدش فيهم فاهمني. محدش فيهم شاف الأوضة المتحف. محدش حس بالرعب اللي حسيته.
والصدمة الأخيرة... لسه من ساعة، شركة شحن خبطت على بابي. وصلني طرد. فتحته وإيدي بتترعش.
كان كتاب. كتاب جديد مطبوع طباعة فاخرة. اسم المؤلف: أحمد. وعنوان الكتاب: سلمى.
فتحت أول صفحة. كانت قصتي. قصة حياتي، أسراري، أحلامي، كل كلمة حكيتها لـ "أحمد" بثقة.
قلبت لآخر صفحة. مكنتش النهاية. كانت صفحة إهداء.
"إلى سلمى، ملهمتي الأبدية. القصة دي لسه مخلصتش. والفصل الجاي هنكتبه سوا. هستناكي بكرة في نفس المكتبة عشان نوقع عقد النشر".
تنبيه للقارئ:
إلى هنا وتنتهي القصة عند حدود المقبول. ما سيحدث تاليًا يدخل في منطقة رمادية، حيث تتداخل مشاعر الحب بالإعجاب المرضي والابتزاز النفسي بطريقة ممنوعة في مجتمعنا العربي وقد تتعارض مع قيمنا ومبادئنا.
لأننا نحرص على تقديم محتوى يحترم هذه الحدود، ننصحك بشدة بالتوقف عن القراءة هنا.
نحن ندرك أن فضولك قد يدفعك لمعرفة ماذا ستفعل "سلمى" في مواجهة هذا الموقف الصعب، ولكننا نؤكد أن ما سيتبع هو خيال درامي لا نشجع على محاكاته.
لمن يصر على إكمال القصة على مسؤوليته الشخصية، وفهم طبيعة اللعبة النفسية التي وجدت بطلتنا نفسها فيها...