الجزء الأول: الطلب الغامض
دانيا. هذا هو اسمها. صار لها ثلاث شهور تشتغل في قسمي. ومن أول يوم، كانت لغز يمشي على الأرض. هادية، ذكية بشكل لا يوصف، وشغلها دايمًا يخلص على أكمل وجه وبدون أي ملاحظات. بس فيها غموض يخليك تحتار. ما تسولف مع أحد خارج نطاق الشغل أبدًا، وإذا أحد حاول يفتح معها سالفة جانبية، ترد باختصار وأدب يخليك تفهم إن الباب مقفول. عيونها دايمًا فيها نظرة غريبة، تخليك تحس إنها تفكر في شيء أبعد بكثير من تقارير المبيعات الشهرية.
يوم من الأيام، قبل نهاية الدوام بدقايق، والمكتب بدأ يفضى، لمحتها تقرب من مكتبي. كانت تمشي بتردد، كأنها تحارب نفسها مع كل خطوة. هذي كانت أول مرة في ثلاث شهور تبادر فيها بالكلام معي عن شيء مو متعلق بالشغل.
"أستاذ فيصل، ممكن آخذ من وقتك دقيقة لو سمحت؟" قالتها بصوتها الهادي اللي نادرًا ما أسمعه.
"أكيد، تفضلي". قلت وأنا أعدل جلستي، فضولي بدأ يشتغل.
قالت بارتباك واضح وهي تفرك يدينها: "الموضوع شخصي شوي، وأنا آسفة إذا بأزعجك". سكتت وأخذت نفس طويل وكملت: "عندي أوراق قديمة ورثتها عن جدي، وهو كان عايش برا المملكة سنين طويلة. الأوراق هذي بلغة أجنبية وأنا أعرف من ملفك الشخصي إنك تتكلمها بطلاقة".
"كملي".
"أحس إنها مهمة ويمكن تخص ورث أو ممتلكات، وما أقدر أوديها أي مكتب ترجمة لأنها... سرية جدًا".
رفعت عيني من الشاشة وبصيت لها. "سرية؟"
"إيه، مرة شخصية. فيها تفاصيل عائلية خاصة. وما أقدر أجيبها هنا المكتب. كنت أتساءل... لو ممكن تساعدني فيها؟ ممكن نتقابل في أي كافيه أو مكان عام وأوريك إياها".
عقلي مباشرة رفض الفكرة. موظفة عندي، بعد الدوام، أوراق سرية... كل العلامات الحمرا كانت شغالة. بس في نفس الوقت، هذي دانيا، الموظفة المثالية اللي ما عمرها طلبت شي. ولأول مرة أشوفها بالضعف والارتباك هذا. فضولي، وشعوري بالمسؤولية تجاه موظفة مجتهدة، خلاني أقول جملة ندمت عليها في نفس اللحظة: "الكافيهات والأماكن العامة ما تصلح لأوراق سرية زي هذي".
أنا اللي فتحت لها الباب.
قالت بسرعة كأنها كانت مستنية مني هالكلمة: "أجل تعال عندي الشقة، أكون مجهزتها لك والجو أهدى".
كلمة "الشقة" خلتني أتردد. بس خلاص، أنا اللي عرضت المساعدة بطريقة تفتح مجال لدعوة زي هذي. ما يمدي أتراجع الحين. قلت وأنا أحس إني وقعت في فخ أنا اللي بنيته: "تمام. أخلص اللي بيدي وأجيك".
وأنا أشوفها تمشي مبتعدة عن مكتبي، حسيت إني ما وافقت على ترجمة أوراق وبس. حسيت إني وافقت على شيء ثاني تمامًا، شيء لسه ما أعرف وش هو.
قد يعجبك أيضاً: قصة سكس سعودية زوجة رفيقي تتصل فيني الفجر وتقول إنها خايفة وتسمع أصوات
الجزء الثاني: الشقة... والمعرض
ركبت سيارتي وأنا أحس بنوعين من المشاعر تتصارع بداخلي. جزء مني، الجزء المحترف والمسؤول، كان يلومني ويأنبني. "فيصل، وش تسوي؟ رايح شقة موظفة عندك بعد نص الليل... هذي مصيبة تنتظر تحصل". والجزء الثاني، الجزء الفضولي والمتمرد، كان يهمس: "وهي وش فيها؟ كلها مساعدة إنسانية لورق ورث... يمكن تكون هذي فرصتك تعرف شخصيتها الحقيقية بعيدًا عن جدران المكتب".
طول الطريق، كنت أجهز نفسي لكل الاحتمالات. جهزت ردودًا رسمية، وحججًا مقنعة عشان أطلع بسرعة. قلت لنفسي "بأجلس ربع ساعة، أترجم لها كم ورقة بشكل عام، وأنصحها تروح لمكتب ترجمة معتمد، وأمشي". كنت أحاول أفرض سيطرتي على موقف أنا من البداية ما كنت مسيطر عليه.
وصلت عمارتها في حي هادي وراقي. وقفت السيارة ونزلت. قلبي كان يدق وأنا أضغط على جرس الإنتركوم. جا صوتها الناعم: "مين؟".
"أنا فيصل".
"تفضل، الدور الثالث". انفتح الباب بصوت كهربائي خافت.
طلعت لشقتها وأنا أحس إني قاعد أمشي في أرض ألغام. وقفت عند بابها اللي كان مفتوح شوي، وطرقت طرقة خفيفة. فتحت الباب بالكامل.
للحظة، حسيت بشعور غريب. دانيا اللي أعرفها في المكتب، بملابسها الرسمية ونظراتها الجادة، كانت شخص مختلف تمامًا عن اللي واقفة قدامي الحين. كانت لابسة فستان بيت قطني بسيط وطويل، وشعرها اللي دايمًا مرفوع بإحكام كان مفكوك ونازل على كتوفها. كانت تبدو أصغر، وأكثر براءة.
بس اللي صدمني أكثر هو الشقة. كانت فاضية. فاضية لدرجة تخوف. كنبة واحدة رمادية، طاولة قهوة صغيرة، وسجادة. ما فيه صور على الحيطان، ما فيه تحف، ما فيه أي شيء يدل على إن فيه إنسان عايش هنا. كأنها شقة مؤقتة أو مخبأ سري.
"تفضل، معليش المكان بسيط، توني ناقلة". قالت وهي تبتسم ابتسامة باهتة.
دخلت وأنا أحس إني دخلت مسرح جريمة مو بيت. جلست على الكنبة، وهي راحت المطبخ ورجعت بصينية عليها كاسين مويه باردة. حطت الصينية على الطاولة وجلست جنبي. المسافة اللي بينا كانت صغيرة بشكل مقلق.
"شكرًا مرة ثانية إنك جيت". قالت بصوت هادي. "أدري إن طلبي كان غريب".
"العفو، هذا واجبي أساعد موظفيني". رديت وأنا أحاول أرجع العلاقة لحدودها الرسمية.
راحت وجابت ملف جلدي قديم جدًا وباين عليه الزمن. حطته على الطاولة. "هذي هي الأوراق".
فتحت الملف، وبديت أقرأ. من أول صفحة، عرفت إن الموضوع ما له أي علاقة بورث أو ممتلكات.
الأوراق كانت عبارة عن مخططات هندسية معقدة، معادلات كيميائية، ومراسلات مشفرة بين أسماء ما عمري سمعت فيها. الأسلوب والتواريخ تدل إنها من عشرات السنين، بس التقنية الموصوفة فيها كانت متقدمة بشكل مرعب.
رفعت راسي ببطء من على الورق وبصيت لها. نظرتي كانت كلها أسئلة وصدمة. هي كانت تراقبني، كأنها كانت مستنية اللحظة هذي بالذات.
قد يعجبك أيضاً: قصة جنسية سعودية مُدرّبة الجيم تلغي حصتي وتقول "تعال البيت أعطيك درس خاص"
الجزء الثالث: الكشف
رفعت راسي ببطء من على الورق، وحسيت إن كل قطرة دم في جسمي تجمدت. نظرتي كانت كلها أسئلة وصدمة. هي كانت تراقبني، كأنها كانت مستنية اللحظة هذي بالذات، اللحظة اللي يطيح فيها القناع وأشوف الحقيقة.
"دانيا، وش هذي الأوراق؟" سألتها مباشرة بصوت حاولت أخليه ثابت بس فشلت. "هذي مو أوراق عائلية أبدًا. هذي... هذي شي ثاني. شي خطير".
أخذت نفس عميق، ونظرة الخوف والقلق اللي كانت على وجهها تحولت لنظرة حزن عميق. "صحيح. أنا كذبت عليك يا أستاذ فيصل. بس ما كان عندي حل ثاني".
"حل ثاني لإيه؟!"
قالت بصوت يرجف: "جدي ما كان شخص عادي. كان عالم كبير. وهذي أوراقه، هذي أبحاثه اللي انسرقت منه. شركة عالمية للطاقة سرقت كل شغله ونسبته لنفسها، وهو قضى آخر أيام حياته في المحاكم يحاول يثبت حقه، ومات مقهور ومكسور".
"وأنا... أنا كل حياتي أجهز عشان أرجع له حقه. عشان أنتقم له".
قصتها كانت زي أفلام هوليوود. قصة أكبر من إني أستوعبها وأنا جالس في شقة شبه فاضية في حي هادي. بس صدقها، والدموع اللي لمعت في عينها، خلتني أصدق كل كلمة. حسيت بتعاطف كبير معها، وفي نفس الوقت حسيت بخوف أكبر. أنا الحين مو مجرد مدير يساعد موظفة، أنا دخلت في قلب مؤامرة صناعية خطيرة.
"طيب... والشرطة؟ القضاء؟ ليه ما لجأتي لهم؟" سألتها وأنا أحاول أفكر بعقلانية.
ضحكت ضحكة ما فيها أي فرحة. "الشركة اللي أتكلم عنها أكبر من دول. عندهم جيش من المحامين، وعندهم نفوذ يوصل لأعلى الأماكن. أي محاولة رسمية ضدهم بتكون زي اللي يحارب دبابة بمسدس مويه. محد بيصدقني بدون دليل قاطع... دليل ينسفهم".
أشرت على الملف اللي قدامي. "وهذا هو الدليل؟"
"هذا جزء منه. الجزء الأهم".
وقفت مكاني وأنا أحس بالدنيا تدور فيني. "دانيا، الموضوع هذا أكبر مني ومنك. أنا ما أقدر أتدخل في شي زي كذا. هذا ممكن يوديني في ستين داهية".
قامت ووقفت قدامي. نظرتها كانت مليانة رجاء ويأس. "أنا لجأت لك أنت بالذات يا أستاذ فيصل، لأني من يوم دخلت الشركة وأنا أراقبك. مو بس في شغلك. أراقب طريقة كلامك، تعاملك مع الناس، مبادئك. أنت الوحيد اللي حسيت إنه ممكن يفهمني ويساعدني. أنت شريف، وذكي، وما تخاف من الحق".
كلامها كان يخدر. كانت ترفعني للسما، وتحسسني بإحساس المسؤولية والبطولة. قربت مني ومدت يدها وحطتها على يدي اللي كانت ماسكة الأوراق. "تكفى يا فيصل... لا تخذلني".
لمستها كانت زي الكهربا. كانت لمسة طلب مساعدة، بس فيها شيء ثاني أعمق. فيها ثقة، وتسليم كامل. كأنها كانت تقولي "أنا رميت كل أوراقي ومصيري بين يدينك".
في اللحظة هذي، نسيت الخوف، ونسيت المنطق. كل اللي كنت أفكر فيه هو الظلم اللي تعرض له جدها، والشجاعة اللي فيها وهي تحاول تواجه إمبراطورية كاملة لوحدها.
الجزء الرابع: هم لقونا
في اللحظة هذي، نسيت الخوف، ونسيت المنطق. كل اللي كنت أفكر فيه هو الظلم اللي تعرض له جدها، والشجاعة اللي فيها وهي تحاول تواجه إمبراطورية كاملة لوحدها. حسيت بشعور غريب بالمسؤولية، كأن القدر اختارني عشان أكون جزء من هذي القصة.
قلت لها وأنا أطالع في الأوراق: "طيب... وش الخطوة الجاية؟ وش ناوية تسوين بهذي الأبحاث؟"
قبل ما تجاوب، راحت بسرعة ناحية الشباك وبصت للشارع بحذر من زاوية الستارة. رجعت وقعدت، وقالت بصوت واطي: "الأوراق هذي ناقصة. هذا نص الشغل بس. النص الثاني، والأخطر، موجود في مكان ثاني. جدي كان ذكي، فرّق الأبحاث عشان يصعّب عليهم يلاقونها كلها".
"والمكان الثاني وينه؟"
"هذا اللي أحاول أعرفه من شهور". قالت وهي تفتح ورقة من الملف. كانت عبارة عن خريطة قديمة لمدينة الرياض، وعليها علامات ورموز غريبة. "أعتقد إن الجواب موجود في هذي الخريطة".
كنت لسه بأمد يدي عشان آخذ الخريطة وأحاول أفهمها، وفجأة...
سمعنا صوت خبط عنيف على باب الشقة.
"طرق، طرق، طرق!"
الخبطة كانت قوية، مو خبطة جار أو مندوب توصيل. كانت خبطة أحد يعرف إننا جوه وجاي ياخذ اللي يبغاه.
دانيا جفلت، ووجهها صار أصفر زي الليمونة. في ثانية، تحولت من المرأة الحزينة القوية إلى طفلة مرعوبة. حطت أصبعها على شفايفها، علامة إني أسكت تمامًا ولا أطلع أي صوت.
راحت بخطوات خفيفة زي الريشة وبصت من العين السحرية. رجعت بسرعة وهي تهمس بهلع ما شفت زيه في حياتي: "هم. لقونا. لازم نطلع من هنا. الحين".
"هم مين؟!" سألتها بنفس الهمس.
"اللي يطاردوني من شهور. اللي يبغون هذي الأوراق".
الخبط على الباب صار أقوى، كأنه على وشك ينكسر. "افتحي يا دانيا! نعرف إنك جوه ومعك ضيف!".
قبل ما أستوعب اللي قاعد يصير، مسكت الملف بيد، ومسكت يدي باليد الثانية وسحبتني وراها للمطبخ. "فيه مخرج طوارئ خلفي، هذا سبب اختياري للشقة هذي بالذات".
فتحنا الباب وطلعنا لدرج حديدي قديم وبارد يطل على زقاق خلفي مظلم. صوت خطواتنا واحنا ننزل بسرعة كان هو الصوت الوحيد مع صوت قلبنا اللي يدق زي الطبول.
نزلنا للزقاق، وبدأنا نركض في الظلام. أنا ما كنت أدري أنا أركض من مين، ولا لوين رايحين. كل اللي أعرفه إني معها، في ورطة أكبر من حجمي بكثير.
وقفنا في نهاية الزقاق عشان ناخذ نفسنا، كنا مستخبيين ورا حاوية قمامة كبيرة. التفتت عليها، وما لقيت أي أثر للخوف على وجهها. بالعكس، كانت عيونها تلمع بإثارة وحماس. نظرتها ما كانت نظرة ضحية، كانت نظرة مقاتلة.
قلت لها وأنا ألهث: "والحين؟ نروح وين؟ وش خطتنا؟"
ناظرت فيني، وابتسمت ابتسامة واثقة لأول مرة أشوفها، وطلعت من جيبها مفتاح سيارة ومفتاح شقة.
"هذا مفتاح سيارة ومفتاح شقة آمنة. بس مو لي".
"أجل لمين؟"
قالت جملتها اللي قلبت كل مفهومي عنها وعن اللي قاعد يصير: "لك. استأجرتها باسمك من أسبوعين. كنت متأكدة إنك بتوافق تساعدني".
الجزء الخامس: العقد
طالعت في المفاتيح اللي في يدها، وبعدين طالعت في وجهها. نظرتها الواثقة والمرعبة خلت دمي يجمد في عروقي. "لك؟! باسمي أنا؟! إنتي مجنونة؟ وش سويتي بالضبط؟!"
قالت ببرود تام، كأنها تشرح خطة عمل: "كان لازم أتأكد إنك ما راح تتراجع في نص الطريق. الحين مصيرنا واحد. لو مسكوني، بيمسكونك معي. الشقة والسيارة باسمك. أنت شريكي الرسمي في كل شي من هذي اللحظة".
"شريكك في إيه؟! في ورطة أنا مالي فيها أي ذنب!".
"لا يا فيصل. أنت لك ذنب أكبر مني". قالت جملتها الغامضة هذي ومشت بسرعة. "ما فيه وقت للكلام، لازم نتحرك من هنا الحين".
مشيت وراها وأنا أحس إني في حلم. إحساس العجز كان يقتلني. هي اللي كانت تقود، وأنا تابع. وصلنا للسيارة اللي كانت واقفة في شارع جانبي. كانت سيارة عادية جدًا، مستحيل أحد يشك فيها. ركبنا، وهي كانت تسوق بهدوء وثقة كأنها في نزهة.
"لوين رايحين؟" سألتها وأنا أحاول أستوعب اللي صار.
"للشقة الآمنة. المكان اللي بنخطط فيه لخطوتنا الجاية".
وصلنا لعمارة قديمة في حي شعبي مزدحم، آخر مكان ممكن تتخيل إن فيه شقة آمنة. نزلنا ومشينا في ممرات ضيقة لين وصلنا لشقة في الدور الأرضي. فتحت الباب ودخلنا.
الشقة هذي كانت عكس شقتها الأولى تمامًا. كانت مفروشة بالكامل أثاث بسيط وعملي. فيه سريرين، مطبخ صغير فيه مؤونة، وفي الصالة كانت فيه طاولة كبيرة عليها لابتوب جديد لسه في كرتونه، وطابعة، وأجهزة غريبة ما عرفتها. كانت شقة عمليات مجهزة بالكامل.
"اقعد ارتاح". قالت وهي تقفل الباب وتتأكد من كل الأقفال. "أنت الحين في أمان".
"أمان من مين؟! وش القصة بالضبط يا دانيا؟ ومن وين لك كل هذا؟"
قعدت قبالي، وحطت الملف الجلدي القديم على الطاولة بيننا. "أنا قلت لك إني أجهز للانتقام هذا من سنين. جدي ترك لي فلوس كفاية عشان أبدأ... وترك لي أهم شي، المعلومات".
فتحت الملف. "هم مو بس سرقوا أبحاث جدي. هم جربوها".
طلعت من وسط المخططات الهندسية ملف ثاني، ملف طبي. حطته قدامي. "لما رفض جدي يبيعهم الاختراع، هددوه. ولما ما خاف، قرروا يجربونه على ضحايا عشان يتأكدون من فعاليته قبل ما يسرقونه بالكامل".
"يجربونه؟ الاختراع هذا وش هو أصلًا؟"
"مركب كيميائي معقد. له قدرة عجيبة على تسريع تلف خلايا الدماغ بشكل يشبه أعراض الزهايمر المبكر، بس بشكل أسرع وأعنف. الضحية تفقد ذاكرتها وقدرتها على التركيز في شهور قليلة، والأطباء يشخصون الحالة على إنها مرض طبيعي".
حسيت بالغثيان وأنا أسمع. "وهالأوراق... تثبت كل هذا؟"
"تثبت تورطهم في سرقة البحث. بس الدليل على تجربته على البشر موجود في مكان ثاني... وهذا دورك".
"دوري أنا؟ ليه أنا بالذات يا دانيا؟ فيه ألف واحد غيري".
ناظرت فيني بحزن عميق، ومدت يدها وفتحت الملف الطبي اللي كان قدامي.
"عشان أبوك... كان واحد من ضحاياهم يا فيصل".
الجزء السادس والأخير: العقد
"عشان أبوك... كان واحد من ضحاياهم يا فيصل".
الجملة نزلت على راسي زي المطرقة. للحظة، حسيت إن سمعي خدعني، وإن الكلمات اللي قالتها مجرد صدى لأفكاري المرعبة. مسكت الملف الطبي اللي قدامي وإيدي كانت ترجف بعنف. قلبته، وشفت الاسم مطبوع بوضوح... اسم أبوي الثلاثي.
بدأت أقرأ، وكل سطر كان زي السكينة اللي تقطع في ذاكرتي. نفس التشخيص اللي قالوه لنا الأطباء وقتها: "تدهور سريع وغير مبرر في وظائف الدماغ". نفس الأعراض: فقدان الذاكرة، الارتباك، نوبات الغضب... نفس الكابوس اللي عشنا فيه آخر سنة في حياته، واللي كنا فاكرينه مجرد مرض قاسي من عند القدر.
"لأ... مستحيل". قلت بصوت مخنوق. "أبوي مات بمرض طبيعي".
قالت دانيا بهدوء حزين: "ما فيه شي طبيعي في موت رجال عمره ٥٥ سنة بنفس أعراض الزهايمر اللي يصيب ناس في الثمانين. أبوي وجدك كانوا أصحاب يا فيصل، وكانوا يشتغلون في نفس مجال الأبحاث زمان. لما رفض جدي العرض اللي قدموه له، وبدأوا يهددونه، لجأ لأقرب أصدقائه عشان يساعده... أبوك".
"أبوك حاول يوقفهم، حاول يفضحهم. وبدل ما يقتلونه ويثيرون الشبهات، قرروا يستخدمونه كفأر تجارب. حقنوه بالمركب الكيميائي عشان يورون جدي وش ممكن يسوون، وعشان يختبرون فعالية اختراعه المسروق".
رفعت راسي وطالعت فيها. الدموع كانت متجمدة في عيني، وحل محلها شعور ثاني... شعور بارد وقاسي. الغضب. غضب نقي وكامل كان قاعد يغلي بداخلي. كل الذكريات المؤلمة لأبوي في أيامه الأخيرة، كل لحظة ضعف وألم شافها، ما كانت قدر. كانت جريمة قتل بطيئة ومخطط لها.
"ليه أنا؟" سألتها تاني، بس بمعنى مختلف تمامًا. "ليه اخترتيني أنا بالذات؟"
"لأن الانتقام هذا حقك زي ما هو حقي. ولأني كنت محتاجة دافع يخليك تكمل معي للآخر. دافع شخصي أقوى من أي فلوس أو تهديد. والحين... أنت عندك أقوى دافع في العالم".
قامت ووقفت. "الشركة هذي عندها برنامج 'للمسؤولية الاجتماعية'. بيختارون كل فترة موظفين من شركات ثانية عشان يشاركون في مشاريع خيرية وهمية. وبعد أسبوعين، فيه وفد من شركتك أنت رايح يزور واحد من مراكز الأبحاث التابعة لهم. أنا قدرت أرتب الأوراق عشان تكون أنت رئيس الوفد هذا".
"وش المطلوب مني؟" قلت بصوت ما كنت أعرفه، صوت هادي وبارد زي الثلج.
"المطلوب منك تدخل مركز الأبحاث هذا. وتوصل للخزنة الرئيسية اللي فيها بيانات التجارب الأصلية. هذا هو الدليل الوحيد اللي يقدر يدمرهم".
"وكيف أوصلها؟"
رجعت للطاولة، وفتحت الملف الجلدي القديم مرة ثانية. طلعت منه مخططات هندسية للمبنى اللي بنروحه، ومعه بطاقة هوية مزورة، وجهاز صغير يشبه الفلاش ميموري.
ناظرت فيني، ونظرة الحزن والضعف اللي كانت فيها اختفت. وحل محلها نظرة القائدة الصلبة اللي جهزت للمعركة هذي كل حياتها.
"درسنا الأول يا فيصل: 'اعرف عدوك'. عندك ٤٨ ساعة تحفظ كل تفصيلة في الملف هذا. بعد بكرة... بنبدأ اللعبة".
أخي القارئ، أختي القارئة،
لقد وصلت معنا إلى لحظة حرجة في هذه الحكاية، لحظة ينتقل فيها بطل القصة من حياة مكتبية رتيبة إلى عالم من المؤامرات والأسرار والهروب. ما سيحدث بعد هذه اللحظة هو منعطف خطير سيغير حياته للأبد.
لأننا نحرص على تقديم محتوى لا يخدش المبادئ، فإننا ننصحك ونرجو منك أن تعتبر القصة قد انتهت عند هذا الحد.
نحن ندرك أن التشويق والفضول قد يكونان أقوى من النصيحة، وأنك ترغب في معرفة حقيقة "دانيا" والأوراق السرية. القرار يعود لك.
لمن يصر على إكمال القصة وفهم العالم السري الذي جرّت "دانيا" بطلنا إليه، يمكنك متابعة الأحداث من الرابط أدناه على مسؤوليتك الكاملة.
لمعرفة ماذا حدث بعد الهروب... وما هي حقيقة دانيا؟... اضغط هنا