قصة جنسية مصرية نيك جارتي والكهرباء المقطوعة

قصة سكس عربي نيك جارتي والكهرباء المقطوعة

كانت ليلة من ليالي أغسطس اللي بتخليك تحس إن جهنم فتحت فرع في القاهرة. قاعد لوحدي في الشقة، هبة مراتي بايته عند مامتها عشان أختها بتولد، وأنا زي كل الرجالة لما مراتاتهم بتبات بره، كنت المفروض أبقى فرحان بالحرية دي. بس الحقيقة، الحرية كانت عبارة عن فرجة على ماتش معُاد للمرة الألف وصوت تكييف بيونّ زي ما يكون بيحتضر. ملل ما بعده ملل.

الساعة كانت داخلة على واحدة بعد نص الليل، والنوم كان مجافيني تمامًا. ماسك الموبايل بقلّب في الفيسبوك ببرود، فجأة الشاشة نورت برسالة واتساب من رقم غريب، مش متسجل عندي. بس الاسم اللي تحت الرقم خلاني أعدل قعدتي: "دينا - شقة 42".

دينا... جارتنا اللي في الدور الرابع.

قلبي دق دقة غريبة كده معرفش سببها. دينا دي حكاية لوحدها. ست في أول التلاتينات، ساكنة لوحدها من حوالي سنة. هادية ومبتعملش حس، بس فيها جاذبية مش طبيعية. من نوع الستات اللي جمالها هادي ومبطّن، مش صارخ. كل علاقتنا ببعض عبارة عن "صباح الخير" في الأسانسير، أو ابتسامة خفيفة لو اتقابلنا عند باب العمارة. بس بصراحة، مين يقدر ينكر إن الابتسامة دي كانت بتعمل شغل في اليوم كله؟ نظرات عينيها كان فيها عمق غريب، كأنها شايلة أسرار الدنيا. كنت ساعات بسرح وأنا بفكر هي عايشة لوحدها ليه؟ وإيه حكايتها؟ بس طبعًا كلها أفكار شيطانية بتيجي وبتروح في ثواني.

فتحت الرسالة وأنا حاسس بشعور متلخبط بين الفضول والقلق. الرسالة كانت بتقول:

"مساء الخير يا أستاذ أحمد، أنا دينا جارتك. آسفة جدًا على الإزعاج في وقت متأخر زي ده."

لحد هنا عادي. بس اللي بعده هو اللي مش عادي.

"الحقيقة الكهربا قطعت عندي في الشقة، ومش عارفة ليه شقتي بس اللي في العمارة كلها. قاعدة في الضلمة والحر ومش عارفة أنام. ممكن لو مش هضايق حضرتك، أجي أقعد عندك شوية في النور لحد الصبح؟"

قريت الرسالة مرة واتنين وتلاتة. عقلي كان بيجري بسرعة الصاروخ. مراتي مش هنا... الساعة واحدة بالليل... وجارتي اللي بتقلب كياني بابتسامة عايزة تيجي تقعد عندي "لحد الصبح"؟ السيناريوهات اللي نطّت في دماغي في اللحظة دي كانت عايزة رقابة أبوية. جزء مني، الجزء العاقل اللي لسه باقي، كان بيقولي دي حركة مش مظبوطة وفيها حاجة غلط. الكهربا تقطع في شقة واحدة بس؟ إزاي يعني؟

رديت رد عملي، بحاول أقتل بيه أي أفكار مجنونة في مهدها: "مساء النور يا دينا. إنتي متأكدة؟ جربتي ترفعي سكينة الكهربا الرئيسية اللي جنب باب الشقة؟ أكيد فصلت."

كنت بتمنى إنها تقول "أه صح، نسيت خالص، شكرًا"، والموضوع ينتهي. بس ردها جه في نفس الثانية، كأنها كانت ماسكة الموبايل ومستنية ردي على أحر من الجمر:

"جربت كل حاجة رفعتها ونزلتها ألف مرة ومفيش فايدة. أنا خلاص فصلت شحن والموبايل هيفصل، وقاعدة لوحدي في الضلمة وهموت من الرعب والحر."

اللهجة بتاعتها في الكتابة كان فيها يأس واستنجاد. "هموت من الرعب والحر". الجملة دي ضربت على وتر حساس جوايا. يعني هسيب ست قاعدة لوحدها خايفة وفي الضلمة؟ الشهامة المصرية اللي بتطلع في أوقات غلط دي ابتدت تشتغل. وفي نفس الوقت، الشيطان اللي جوايا كان بيقولي "وهي فرصة مبتتكررش". صراع داخلي عنيف، انتهى بقراري إني أكون "الجدع" النهاردة.

كتبتلها كلمتين وبس، عشان مبينش إني ملهوف: "تمام، اتفضلي."

قفلت الموبايل ورميته جنبي على الكنبة وأنا حاسس إن نفسي مكتوم. قمت بسرعة لميت بعترة الريموتات وعلب السجاير الفاضية من على الترابيزة. بصيت على نفسي في مراية البوفيه، كنت لابس شورت بيت وتيشيرت عليه بقعة كاتشب خفيفة من العشا. كان شكلي أي حاجة إلا إنه يكون شكل واحد هيستقبل ضيفة... خصوصًا لو الضيفة دي هي دينا. بس مفيش وقت أغير.

دقيقتين بالظبط، زي ما يكونوا محسوبين بالثانية، وجرس الباب رن.

أخدت نفس عميق ومشيت ناحية الباب وأنا حاسس إني ماشي على إزاز. فتحت الباب، ولقيتها واقفة قصادي.

يا نهار أبيض.

كل تخيلاتي عن شكلها راحت في داهية. كانت لابسة بيجامة ستان لونها نبيتي، بسيطة بس محددة كل تفصيلة في جسمها. شعرها الأسود الطويل سايب على كتفها، وشها من غير نقطة مكياج وباين عليه الإرهاق... بس إرهاق من النوع الجذاب اللي يخليك عايز تطبطب عليها. كانت ماسكة في إيد اللابتوب بتاعها، والإيد التانية فيها الموبايل والشاحن.

"أنا... أنا آسفة بجد إني عملت كده، بس مكنتش عارفة أعمل إيه تاني." قالتها بصوت واطي وهي عينيها في الأرض، كأنها مكسوفة.

"ولا يهمك خالص، محصلش حاجة. البيت بيتك." قلت الكلمتين دول وأنا بحاول أتحكم في نبرة صوتي اللي كانت عايزة تتهز. وسعتلها عشان تدخل.

أول ما عدّت من جنبي، ريحة البرفيوم الهادية بتاعتها خبطت في مناخيري. ريحة ناعمة وغامضة زيها بالظبط. قفلت الباب وراها وأنا حاسس إن درجة حرارة الشقة عليت عشر درجات.

"اتفضلي اقعدي، هشغلّك التكييف التاني عشان الجو يبقى كويس."

"ميرسي أوي، كلك ذوق."

قعدت على طرف الكنبة، وقعدت أنا على الكرسي اللي قصادها، سايب مسافة كافية عشان أبقى في الأمان. بس هي اللي قربت. حطت اللابتوب على الترابيزة، وبصتلي بابتسامة خفيفة وقالت: "هو أنا ممكن أطلب منك طلب كمان؟"

"أكيد طبعًا."

"ممكن بس أحط موبايلي على الشاحن وأفتح اللابتوب أوصله بالواي فاي بتاعك؟ عندي إيميل مهم جدًا لازم أبعته الصبح بدري ومديري مستنيه."

"طبعًا، طبعًا اتفضلي." قلتلها على باسوورد الواي فاي وأنا عقلي بيقولي: "إيميل إيه اللي هيتبعت الساعة واحدة ونص بالليل؟". بس مين أنا عشان أسأل؟

قعدت تشتغل على اللابتوب في صمت، وأنا قاعد قصادها بتفرج على التليفزيون، بس كل حواسي كانت معاها. صوت صوابعها وهي بتكتب على الكيبورد، خصلة شعرها اللي كل شوية تنزل على وشها فترجعها لورا بحركة تخطف القلب. كنت في عالم تاني.

بعد حوالي خمس دقايق، سابت اللابتوب وبصتلي. الصمت اللي بينا كان تقيل، تقيل أوي.

"هو حضرتك... ساكن هنا لوحدك؟"

السؤال نزل عليا زي مية ساقعة. إيه السؤال ده؟ هي متعرفش إني متجوز؟ ولا بتستعبط؟

قلت بحذر: "لأ، أنا متجوز. مراتي بس بايته عند مامتها النهاردة."

"أه..." قالتها وهي بتهز راسها ببطء، وعينيها لسه عليا. نظرتها كانت غريبة، كأنها بتقيمني أو بتذاكرني. حسيت للحظة إن الكسوف والارتباك اللي كانت فيهم عند الباب اختفوا، وحل محلهم ثقة غريبة وجرأة مكنتش متوقعها.

وفجأة، لمحت حاجة على ترابيزة القهوة جنبها خلت الدم يجري في عروقي بشكل مختلف. موبايلها اللي كان محطوط على الشاحن... الشاشة بتاعته نورت بإشعار. وعيني جت على علامة البطارية فوق على اليمين.

كانت خضرا، ومليانة على آخرها. الشحن كان 95%.

مش هي لسه قايلة إن الموبايل "هيفصل شحن"؟ الكدبة، مع إنها تبان صغيرة، بس في الموقف ده والساعة دي، ومع كل اللي بيحصل... خلت جرس إنذار يضرب جوه دماغي. هي بتكدب ليه؟ وإيه حكايتها بالظبط؟

قبل ما أستوعب الصدمة دي، لقيتها بتميل عليا شوية وبتقول بصوت واطي كأنها بتقول سر:

"أحمد... أنا محتاجة أتكلم معاك في موضوع مهم أوي."

النظرة اللي في عينيها دلوقتي مكنتش نظرة واحدة مكسوفة ولا مرعوبة من الضلمة. دي كانت نظرة تانية خالص... نظرة واحدة عارفة هي بتعمل إيه بالظبط.

"أحمد... أنا محتاجة أتكلم معاك في موضوع مهم أوي."

الجملة دي، بالصوت الواطي ده، وبالنظرة اللي جت معاها، كانت كفيلة إنها تمسح من دماغي كل الأفكار الرومانسية والشيطانية اللي كانت بتلعب فيها من ساعة ما دخلت. النبرة مكانتش نبرة واحدة ست جاية تستنجد بجارها، ولا حتى نبرة واحدة بتلمّح بحاجة. دي كانت نبرة واحدة ماسكة كل خيوط اللعبة في إيدها، وبتديني الإذن إني أشارك فيها.

قلبي اللي كان بيدق بسرعة من الإثارة، بدأ يدق بنفس السرعة بس من القلق.

بلعت ريقي بصعوبة وقولت وأنا بحاول أبين إني ثابت: "موضوع إيه؟"

ابتسمت ابتسامة خفيفة، بس معبرتش عن أي حاجة غير الثقة. مالت بجسمها لقدام شوية، وسندت بكوعها على ركبتها. البيجامة الستان اتحركت معاها بشكل خلاني.....

"الموضوع يخصك... ويخص الشقة دي بالذات."

سكتت للحظة، كأنها بتستمتع بمنظر الحيرة اللي اترسم على وشي. كملت كلامها بنفس الهدوء المستفز: "أنا بـراقبك بقالي فترة يا أحمد."

لو كان في كوباية مية في إيدي كانت وقعت اتكسرت ألف حتة. براقبك؟ الكلمة دي ممكن تتفهم بمليون معنى. ممكن تكون بداية أجمل قصة حب، وممكن تكون بداية فيلم رعب. وبالنظر لعلامة البطارية الخضرا اللي لسه منورة على موبايلها، عقلي كان ميّال للسيناريو التاني.

"بتراقبيني؟ إزاي يعني؟ مش فاهم."

"بـراقب تحركاتك، مواعيدك، مين بيجيلك، مين بيمشي. مين ساكن في العمارة، مين حارسها، الكاميرات فين... كل حاجة."

كل كلمة كانت بتقولها كانت زي طوبة بتترمي في بركة هدوء حياتي وتعكرها. دي مش معجبة سرية، دي واحدة بتتكلم زي ما تكون ضابط في مباحث أمن الدولة. إحساس الخطر بدأ يتسرب ويتشعّب في كل حتة في جسمي. الإثارة اتحولت لخوف حقيقي.

"إنتي مين بالظبط؟ وعايزة إيه؟" صوتي طلع قوي غصب عني.

متخضتش من نبرتي، بالعكس، ابتسامتها زادت سيكا، كأنها مبسوطة إني أخيرًا فهمت إن الموضوع مش هزار.

"أنا مين مش مهم دلوقتي. المهم هو أنا هنا ليه. أنا مختارتش شقتك دي بالصدفة يا أحمد. ولا جيتلك عشان الكهربا قاطعة."

"أومال جيتي ليه؟!"

"جيتلك عشان أنا محتاجة حاجة... موجودة هنا. في شقتك."

حسيت بالدنيا بتلف بيا. إيه اللي ممكن يكون موجود في شقتي هي عايزاه؟ أنا راجل موظف عادي، حياتي روتينية ومملة، شقتي مفيهاش غير فواتير وديون وجهاز بلايستيشن قديم. هل هي تبع بنك أنا واخد منه قرض؟ هل تبع شركة تقسيط؟ عقلي عمال يجيب ويودي في سيناريوهات عبيطة لأني مش قادر أستوعب أي سيناريو منطقي.

"حاجة إيه دي اللي عندي؟ أنا مش فاهم أي كلمة بتقوليها. إنتي شكلك داخلة شقة غلط."

"لأ، أنا في الشقة الصح. ومع الشخص الصح."

قالت الجملة دي وهي بتقوم تقف. اتحركت في الصالة بخطوات بطيئة، كأنها بتستكشف المكان لأول مرة بعين خبير، مش بعين ضيف. عينيها كانت بتفصص كل حيطة، كل ركن، كل قطعة أثاث. وقفت عند المكتبة وبصت على صوري أنا وهبة مراتي اللي عليها. مسكت صورة فرحنا في إيدها.

"هبة... مراتك. صيدلانية شاطرة في صيدلية كبيرة في المهندسين. بتحب شغلها أكتر منك. صح؟"

الدم نشف في عروقي. هي تعرف اسم مراتي وشغلها كمان؟ الموضوع خرج تمامًا عن السيطرة. دي مش ست عادية، دي واحدة عاملة واجبها وزيادة.

"إنتي إزاي تعرفي كل ده؟ إنتي بتهدديني؟" قمت وقفت أنا كمان، وحاولت أقف وقفة قوية عشان أبينلها إني مش خايف، مع إني كنت هموت من الرعب.

حطت الصورة مكانها بهدوء ورجعت بصتلي. "أنا مش بهددك، أنا بعرّفك أنا مين. أو بمعنى أصح، بعرّفك أنا أعرف عنك إيه. عشان تفهم إني مجيش هنا عشان أهزر."

رجعت قعدت على الكنبة تاني، وفتحت اللابتوب بتاعها بمنتهى البرود. "بص يا أحمد، أنا هختصر عليك وعليا. أنا بدور على حاجة، والحاجة دي آخر إشارة ليها كانت طالعة من حدود الشقة دي. مهمتي إني ألاقيها. وأنا معنديش وقت كتير."

"إشارة؟ إشارة إيه؟ إنتي بتتكلمي ألغاز ليه؟"

"هفهمك كل حاجة، بس الأول محتاجة أتأكد."

في اللحظة اللي فتحت فيها شاشة اللابتوب، ولمدة ثانية واحدة قبل ما تميل الشاشة ناحيتها عشان متخلنيش أشوف، عيني لمحته. رسم هندسي دقيق، متقسم بمربعات وخطوط وأرقام. رسم أنا عارفه كويس لأني شفته قبل كده مع المهندس اللي كان بيشطبلي الشقة.

ده كان المسقط الأفقي للدور بتاعنا في العمارة.

قلبي اتقبض. دي معاها خريطة العمارة كلها. قبل ما أقدر أنطق أو أستوعب اللي شفته، لقيتها بتطلع من شنطة اللابتوب جهاز أسود صغير، مربع، طالع منه إريال قصير. وصلت الجهاز في اللابتوب بوصلة USB. الجهاز نور لمبة خضرا صغيرة وبدأ يطلع صوت زنة واطية ومنتظمة.

صوت الزنة ده كان ماشي مع دقات قلبي اللي كانت بتزيد.

"إيه ده؟ إيه الجهاز ده؟ والخريطة اللي على اللابتوب دي إيه؟!" مقدرتش أسكت أكتر من كده.

رفعت عينيها من على الشاشة وبصتلي. نظرة الارتباك والكسوف اللي كانت على وشها أول ما جت اختفت تمامًا ومبقاش ليها أي أثر. واتبدلت بنظرة تانية خالص. نظرة حادة، باردة، ومليانة ذكاء. نظرة صياد لقى الفريسة بتاعته. المسرحية خلصت والستاير نزلت.

قالت بهدوء وثقة مميتة: "الكهربا مقطعتش عندي يا أحمد. أنا اللي فصلتها عن شقتي."

"فصلتيها؟ ليه؟!"

"كنت محتاجة سبب منطقي عشان أجيلك. وكنت محتاجة أتأكد إنك لوحدك. وعشان كده استنيت لحد ما اتأكدت إن عربية هبة مش تحت العمارة."

كل كلمة كانت بتقولها كانت بتكشف عن طبقة جديدة من التخطيط اللي هي عاملاه. الموضوع ده مترتبله من زمان. أنا مكنتش مجرد جار جدع بيساعد جارته، أنا كنت هدف.

"وعملتي كل ده ليه؟ إيه اللي بتدوري عليه يستاهل كل التمثيل ده؟"

ابتسمت ومردتش. عينيها رجعت تاني لشاشة اللابتوب، وهي بتحرك الماوس ببطء وتركيز. صوت الزنة اللي طالع من الجهاز الأسود بدأ يتغير. بدل ما كان منتظم، بقى متقطع وأسرع.

"قربنا..." همست لنفسها بصوت واطي بس أنا سمعته.

كنت واقف في نص الصالة زي الصنم، مش عارف أعمل إيه. أصرخ وألم الجيران؟ أطردها بره الشقة؟ أحاول آخد منها الجهاز واللابتوب؟ كل الحلول دي كانت تبان مستحيلة قصاد هدوئها وثقتها اللي تهز جبل. حسيت إني متكتف قصادها.

فجأة، صوت الزنة المتقطع اتحول لصفارة عالية ومستمرة. واللمبة الخضرا اللي كانت بتنور وتطفي ثبتت على نور متواصل مبيرمشيش.

بصت على الشاشة، وبعدين رفعت وشها وبصتلي. وعلى وشها اترسمت أعرض ابتسامة شفتها عليها من ساعة ما دخلت. ابتسامة انتصار صافية.

"لقيتها."

قبل ما أسألها هي إيه، مالت اللابتوب ناحيتي عشان توريني الشاشة.

شفت الخريطة الهندسية للدور بتاعنا، وشقتي متحددة بلون مختلف. وجوه حدود شقتي، كان في نقطة حمرا بتنور وتطفي بشدة. النقطة دي مكانتش في أي مكان عشوائي، كانت محددة بدقة في مكان معين.

كانت بتنور وتطفي فوق الحيطة اللي ورا المكتبة بتاعتي. الحيطة اللي بتفصل بين الصالة وأوضة النوم.

"الحاجة اللي بدور عليها... مدفونة جوه الحيطة دي يا أحمد."

وقفت متنّح زي اللي اتخبط على دماغه. باصص مرة على شاشة اللابتوب اللي عليها النقطة الحمرا اللي بتـبـيـضّ وتطفي، ومرة على وش دينا الهادي الواثق، ومرة على حيطة الصالة البريئة اللي بقالها سنين واقفة في حالها ومبتأذيش حد. عقلي رفض يجمّع الصورة. الموضوع اتحول من قصة جارة عندها مشكلة في الكهربا، لفيلم تحقيق ومؤامرات، ودلوقتي بقى قصة كنوز مدفونة وحيطان بتتكسر.

أول كلمة طلعت من بقي كانت: "إنتي مجنونة!"

صوتي كان عالي شوية، وفيه رعشة غصب عني. "أكسر حيطة شقتي؟ إنتي فاكرة إني أهبل؟ إنتي مين أصلاً عشان أصدق حرف من اللي بتقوليه ده؟ اطلعي بره. اطلعي بره بدل ما أصرخ وألم عليكي العمارة كلها."

كنت متوقع إنها هتتوتر، هتترعب، أو حتى هتتخانق. بس هي عملت أغرب حاجة ممكن تتعمل في موقف زي ده. ابتسمت.

"تلم عليا العمارة؟ تفتكر ده حل كويس؟" قالتها وهي بتقفل اللابتوب بتاعها بهدوء شديد، كأنها بتتعامل مع طفل غضبان. "قوم معايا يا أحمد، عايزة أوريك حاجة."

مشيت بخطواتها الواثقة دي ناحية شباك الصالة اللي بيطل على الشارع الرئيسي. كنت لسه واقف مكاني مش فاهم هي عايزة إيه. بصتلي من فوق كتفها وقالت: "متخافش، مش هزقك من الشباك. تعال بس."

الشك والفضول كانوا بيتخانقوا جوايا، وفي الآخر الفضول كسب. مشيت وراها بحذر وقربت من الشباك. الشارع تحت كان هادي وفاضي تقريبًا، زي أي شارع في القاهرة الساعة اتنين بالليل.

"شايف إيه؟" سألتني.

"شايف الشارع فاضي. عايزة توصلي لإيه؟"

"بص تاني، وركز."

دققت النظر. تحت عامود نور، في عربية سودا "كيا سيراتو" موديل قديم شوية، إزازها فيميه غامق، راكنة في مكان غريب شوية. العربية دي مكنتش موجودة لما رجعت من الشغل.

"عربية راكنة. عادي يعني." قلتلها وأنا بحاول أبين إني مش مهتم.

"العربية دي راكنة هنا من الساعة عشرة بالليل يا أحمد. من قبل ما أجيلك. ومطفتش موتورها ولا مرة. شايف البخار الخفيف اللي طالع من الشكمان؟ ده معناه إن التكييف شغال. يعني في حد قاعد جواها بقاله أكتر من أربع ساعات في نفس المكان، مستني."

قلبي وقع في رجليا. كلامها كان منطقي بشكل مرعب.

"مستني إيه؟" سألتها بصوت يادوب طالع.

"مستنينا." لفت وبصت في عيني مباشرة. "مستني أي حركة غلط مننا. مستني يشوفني وأنا خارجة من عندك ومعايا الحاجة اللي بدور عليها، أو مستني يشوفك وإنت نازل تجري على قسم البوليس عشان تبلغ عن الست المجنونة اللي اقتحمت شقتك. وفي الحالتين، نهايتك مش هتكون سعيدة."

"مين دول؟!"

"مش مهم مين. المهم إنهم مش صحابنا. الناس دي لو طلعت هنا، مش هيخبطوا على الباب ويستأذنوا زيي. دول هيكسروا الباب، وهيكسروا الحيطة، وبعد ما ياخدوا اللي هما عايزينه، هيخلصوا من الشاهد الوحيد اللي شاف وشوشهم. اللي هو حضرتك."

كلامها كان بينزل عليا زي طلقات الرصاص. بارد، ومباشر، ومفيهوش أي رحمة. فجأة، حسيت إن شقتي مبقتش المكان الآمن بتاعي، دي بقت مصيدة وأنا الفار اللي محبوس جواها. ودينا هي القط اللي بيحاول يقنعني إن في صقر مستنينا بره.

رجعت خطوتين لورا وقعدت على الكرسي وأنا حاسس إن رجلي مش شيلاني. "طب والحل إيه؟ عايزة مني إيه دلوقتي؟"

"عايزاك تساعدني. تساعدني أطلع الحاجة دي من الحيطة. نطلعها، وأنا هاخدها وأمشي فورًا. وأوعدك، من اللحظة اللي همشي فيها، كأنك عمرك ما شفتني ولا عرفتني، وحياتك هترجع طبيعية زي الأول."

حياتي ترجع طبيعية؟ بعد الليلة دي؟ مكنتش مصدق حرف، بس في نفس الوقت، كنت شايف بعيني العربية السودا اللي تحت، وكلامها كان بيرن في وداني. أنا خلاص بقيت جزء من اللعبة دي سواء وافقت أو رفضت. لو رفضت، هكون لوحدي قصاد الناس اللي في العربية. لو وافقت، على الأقل هكون معاها هي، وهي واضح إنها فاهمة هي بتعمل إيه. كان اختيار بين السيء والأسوأ.

أخدت نفس عميق، أعمق نفس أخدته في حياتي. "هنكسر الحيطة إزاي؟ معنديش شنيور ولا عدة تكسير."

ابتسامة نصر اترسمت على وشها تاني. "مش محتاجين شنيور. الحاجة دي محطوطة في تجويف معمول مخصوص، ومتغطية بطبقة جبس خفيفة. أي حاجة صلبة ومدببة هتفي بالغرض."

قمت زي الإنسان الآلي ودخلت المطبخ. فتحت درج الكراكيب وطلعت منه شاكوش ومفك عادة كبير. إيدي كانت بتترعش وأنا ماسكهم. رجعتلها الصالة وأنا حاسس إني ماشي في حلم، أو كابوس بمعنى أصح.

"تمام. فين بالظبط؟"

قربت من الحيطة اللي ورا المكتبة، وحطت إيدها على مكان معين. "هنا. حوالي شبرين فوق البريزة دي."

زقيت المكتبة بصعوبة وبعصبية، الكتب اللي عليها وقعت وعملت صوت عالي وترني.

"بالراحة!" همست بصوت حاد. "مش عايزين نعمل دوشة."

وقفت قدام الحيطة. رفعت الشاكوش والمفك. للحظة، بصيت على الحيطة السليمة اللي لسه دهانها جديد، وحسيت إني بخرب بيتي وحياتي بإيدي. بس لما افتكرت العربية السودة اللي تحت، ترددي اختفى.

"ابعدي شوية."

أخدت أول دقة بالمفك والشاكوش. صوت كان مكتوم بس في هدوء الليل كان عامل زي صوت انفجار. طبقة المعجون والدهان اتشقت. دقة تانية، وتالتة... الجبس بدأ يتكسر ويقع. العرق كان مغرقني، مش من المجهود، لكن من التوتر. كنت حاسس إن مع كل دقة، سقف الشقة ممكن يقع فوق دماغنا، أو باب الشقة يتكسر ويدخلوا علينا.

دينا كانت واقفة جنبي، ماسكة كشاف الموبايل ومسلطاه على الحيطة، بتراقب كل حركة بتركيز شديد.

بعد حوالي عشر دقايق من الدق الحذر، المفك غطس مرة واحدة لجوه في فراغ.

"استنى." قالت بسرعة.

وقفت. وسعت الفتحة بإيدي بحذر، التراب والجبس بيقع على الأرض. مديت إيدي جوه الفتحة الباردة والمظلمة. صوابعي خبطت في حاجة معدن، ساقعة.

"لقيتها."

سحبتها بالراحة. كانت علبة صفيح صغيرة، قد علبة الكبريت بس أتخن شوية، لونها أسود مطفي ومفيش عليها أي علامات. كانت مقفولة بإحكام.

"افتحها." قالت دينا وهي بتقرب مني، عينيها بتلمع بترقب.

إيدي كانت لسه بتترعش وأنا بحاول أفتح العلبة. بعد كام محاولة، الغطا فتح وعمل صوت "تكّة" خفيفة. جوه العلبة، وفي وسط قطعة إسفنج أسود، كان في حاجة واحدة بس.

فلاشة ميموري.

بس مكنتش زي أي فلاشة شفتها قبل كده. كانت صغيرة جدًا، معمولة من معدن رمادي غامق، مفيهاش مكان لغطا، والفتحة بتاعت الـ USB شكلها غريب. وفي ظهرها كان محفور رمز صغير... رمز غريب أول مرة أشوفه في حياتي.

كنت لسه بقلّب فيها وبحاول أفهم أنا ماسك إيه في إيدي، ودينا كانت هتاخدها مني...

وفجأة.

صوت حاد وواضح اخترق الصمت اللي في الشقة. صوت إحنا الاتنين عارفينه كويس أوي.

صوت جرس الأسانسير وهو بيعلن وصوله للدور بتاعنا.

بعدها بثانية، سمعنا صوت خطوات. خطوات بطيئة وتقيلة، جاية في الطرقة بره... ووقفت.

وقفت قدام باب شقتي بالظبط.

الصوت اللي اخترق هدوء الشقة مكنش مجرد صوت. ده كان إعلان نهاية العالم بتاعي. جرس الأسانسير، وبعده صوت خطوات تقيلة بتقرب... بتقرب... لحد ما وقفت. سكتت تمامًا. سكون تقيل ومخيف، كأن اللي بره بيسمع دقات قلوبنا من ورا الباب.

أنا ودينا اتجمدنا في مكاننا. كنت لسه ماسك الفلاشة الغريبة في إيدي، وهي عينيها عليا وعلى الباب في نفس الوقت. نظرتها لأول مرة من ساعة ما دخلت شقتي، شفت فيها لمحة قلق حقيقي. مش خوف، لكن حذر وترقب بتاع واحد متعود على المواقف اللي زي دي. أما أنا، فكنت كتلة من الرعب الخام. حاسس إن رجلي هتخوني وأقع في أي لحظة.

السكوت استمر حوالي عشر ثواني، بس حسيتهم عشر سنين. عشر سنين من التفكير في كل السيناريوهات المرعبة الممكنة. وبعدين، السكوت اتقطع.

بووم!

خبطة عنيفة، وحشية، هزت الباب الخشب بتاع الشقة. دي مكنتش خبطة بإيد، دي كانت خبطة بكتف أو برجل. صوت الخشب وهو بيزيّق كان كفيل يوقف قلبي.

"سلمي نفسك يا دينا! عارفين إنك جوه!"

صوت راجل تخين وغليظ جه من ورا الباب، مكتوم شوية بس واضح. كلامه كان موجه ليها هي. يبقى هما فعلًا كانوا مستنينها.

بووم! بووم!

خبطتين ورا بعض، أقوى من الأولى. كالون الباب بدأ يصرخ صرخة احتضار.

في اللحظة دي، دينا اتحركت. كأن الخبطة دي كانت الإشارة اللي مستنياها. في جزء من الثانية خطفت الفلاشة من إيدي وحطتها في جيب بيجامتها، ومسكت دراعي بإيدها التانية. إيدها كانت قوية وبتترعش في نفس الوقت.

"مفيش وقت!" همست بصوت حاد ومكتوم. "ورايا، ومن غير ولا كلمة!"

شدتني وجرينا على الطرقة اللي بتودي على أوض النوم والمطبخ، بعيد عن باب الشقة. صوت تكسير الخشب كان بيعلى، ومع كل خبطة كنت بحس إن نهايتي قربت.

"هنروح فين؟! هنتحبس جوه!" قلتلها وأنا بتلفت حواليا زي المجنون.

"اخرس وامشي!"

دخلنا المطبخ. دينا بصت حواليها بسرعة، وبعدين عينيها جت على شباك المطبخ الصغير اللي فوق الحوض. جريت عليه وفتحته. الشباك كان بيطل على المنور الخلفي للعمارة. شبكة مواسير صرف وكابلات كهربا متشعلقة في كل حته، وريحة رطوبة وكمكمة.

"من هنا." قالت وهي بتشاور على ماسورة صرف صحي تخينة نازلة بطول الحيطة. "هننزل منها على السطح بتاع الجراج اللي تحت."

بصيت من الشباك على تحت. إحنا في الدور التالت. المسافة كانت تبان زي ألف كيلو. والماسورة شكلها مزفلط ومقرف.

"لأ طبعًا! مستحيل! إنتي اتجننتي؟! هنقع نموت!"

كرااااك!

صوت كالون باب الشقة وهو بيتكسر وصلّنا. بعده على طول سمعنا صوت الباب وهو بيتفتح على مصراعيه وبيخبط في الحيطة.

دينا بصت في عيني، ونظرتها كانت أصلب من الفولاذ. "قدامك اختيار من اتنين يا أحمد. يا تنط معايا دلوقتي، يا تستناهم وهما اللي هيرموك من نفس الشباك ده بعد ما ياخدوا اللي عايزينه. اختار."

ملحقتش أختار. سمعنا صوت خطوات تقيلة بتجري جوه الشقة، وصوت حاجات بتترمى وبتتكسر.

"هيييه! شوفوا أوضة النوم!"

الخطر مبقاش على الباب، ده بقى على بعد أمتار مننا.

من غير تفكير، دينا نطت على رخامة المطبخ، وطلعت من الشباك زي القطة. مسكت في ماسورة الصرف بإيديها ورجليها. بصتلي لآخر مرة. "ورايا! دلوقتي!"

الخوف من الموت تحت كان كبير، بس الخوف من اللي مستنيني جوه الشقة كان أكبر. طلعت وراها زي الأعمى. جسمي كله بيترعش. أول ما إيدي لمست الماسورة الباردة والمقرفة، حسيت بقشعريرة سريت في جسمي كله.

"بالراحة، وركز." صوت دينا الهادي جه من تحتي. "إيد فوق، ورجل تحت. متفكرش في أي حاجة غير في الخطوة اللي جاية."

بدأت أنزل. كل حركة كانت عذاب. هدومي بتتبهدل، وإيدي بتوجعني من الماسورة. كنت بتجنب أبص تحت عشان مصابش بالدوار. كل اللي كنت شايفه هو ضهر دينا وهي بتنزل بخفة وثقة غريبة، كأنها عملت الموضوع ده ألف مرة قبل كده.

سمعت صوتهم فوقينا. "الشباك مفتوح! نزلوا من هنا!"

"بسرعة يا أحمد!" دينا صرخت فيا.

زودت سرعتي، قلبي هيقف من الرعب. إيدي اتزحلقت للحظة، وجسمي كله اتعلق في الهوا. صرخت صرخة مكتومة، بس قدرت أرجع أسيطر على نفسي تاني.

نزلنا حوالي دورين، لحد ما رجلينا لمست سطح مسلح صغير، كان السطح بتاع البدروم والجراج اللي تحت العمارة. المكان كان ضلمة كحل، ومليان كراكيب وخشب قديم.

أول ما وقفت على أرض صلبة، رجلي خانتني وقعدت على الأرض وأنا بنهج، حاسس إني لسه عايش بمعجزة.

"ولاد الـ... شافونا!" صوت جه من فوق. لمحت خيال راس واحد بتبص علينا من شباك المطبخ.

"مفيش وقت للراحة، لازم نتحرك." دينا شدتني وقومتني تاني.

جرينا في الضلمة وإحنا بنتعتر في الكراكيب. "هنروح فين دلوقتي؟"

"من هنا." شاورت على باب حديد قديم ومهلوك في آخر السطح. "ده باب خلفي بيطلع على الشارع اللي ورا."

جرينا ناحية الباب، ودينا بتحاول تفتحه. كان مقفول بقفل قديم مصدي.

"إيه العمل؟ مقفول!"

"وسع."

دينا رجعت خطوتين لورا، ورفعت رجلها وخبطت القفل بكل قوتها. مرة، اتنين، وفي التالتة القفل المعدني الصغير اتكسر والباب اتفتح بصوت مزعج.

خرجنا للشارع الخلفي. شارع ضيق وضلمة، مفيش فيه غير كام قطة بتجري.

"لازم نختفي. فورًا." قالت وهي بتبص يمين وشمال. "هينزلوا ورانا الشارع دلوقتي."

بصيت على نفسي. كنت لابس شورت بيت وتيشيرت مقطوع من الماسورة، وجسمي كله مطين ومتبهدل. وهي كانت لسه بالبيجامة الستان اللي بقت حالتها بالويل. منظرنا كان ينفع في فيلم كوميدي، لولا إن حياتنا كانت على المحك.

قبل ما أفكر حتى هنعمل إيه، دينا شدتني تاني ودخلنا في حارة ضيقة بين عمارتين. حارة ريحتها وحشة وضلمة، يادوب تكفي نفرين بالعافية.

"هنستنى هنا لحد ما يعدوا." همست وهي بتحاول تاخد نفسها.

وقفنا في الضلمة، لازقين في بعض، وسامعين صوت دقات قلوبنا. ثواني وعدت، وسمعنا صوت رجلين بتجري في الشارع اللي كنا فيه.

"راحوا فين الكلاب دول؟!" صوت الراجل التخين تاني.

"انت شوف الناحية دي وأنا هشوف الناحية التانية. مش هيروحوا بعيد بالمنظر ده."

شفنا خيالين بيجروا، كل واحد في اتجاه.

فضلنا واقفين في مكاننا حوالي خمس دقايق بعد ما الصوت اختفى. خمس دقايق من الرعب الصافي. أنا كنت متأكد إنهم هيدخلوا الحارة دي في أي لحظة ويكتشفونا.

لما اتأكدت إنهم مشيوا، بصتلها في الضلمة. "لازم تفهميني. إيه اللي بيحصل ده كله؟ وإيه الفلاشة دي اللي إنتي مستعدة تموتي وتموتيني عشانها؟"

أخدت نفس عميق، وبصتلي بنظرة فيها خليط من الإرهاق والجدية. "الفلاشة دي عليها دليل... دليل هيدمر ناس مهمة أوي في البلد دي. ودلوقتي الدليل ده بقى مشكلتك إنت كمان يا أحمد. لأنهم شافوك معايا. ومن اللحظة دي، إنت بقيت هدف زيك زيي بالظبط."

"ومن اللحظة دي، إنت بقيت هدف زيك زيي بالظبط."

الجملة الأخيرة اللي قالتها دينا كانت بتتردد في وداني زي طنين النحل. واقفين في حارة ضلمة وريحتها وحشة، بين عمارتين، وهي لابسة بيجامة ستان مقطعة وأنا بشورت بيت وتيشيرت متبهدل. لو أي حد شافنا بالمنظر ده كان هيفتكرنا مجانين هربانين من مستشفى، والحقيقة يمكن مكنتش بعيدة أوي عن كده.

"هدف؟ هدف لإيه؟ ومين دول أصلاً؟ بوليس؟ مافيا؟ أنا لازم أفهم!" صوتي كان مزيج من الغضب واليأس.

أخدت نفس طويل، كأنها بتجمع شتات أفكارها أو يمكن بتجمع صبرها عليا. "لأ، دول مش بوليس. ويا ريتهم كانوا مافيا. دول أسوأ. دول منظمة، كيان ماشي في ضهر الدولة، ناس فوق القانون. ناس لو عايزة تخفي واحد من على وش الأرض، بتعملها زي ما تكون بتدبح فرخة. محدش هيسأل عليه ولا حد هيدور وراه."

"ومنظمة زي دي عايزة إيه من فلاشة؟ فيها إيه دي؟ أسرار نووية؟"

"فيها اللي أخطر من الأسرار النووية. فيها حسابات بنكية، تسجيلات صوتية، فيديوهات، صفقات مشبوهة، أسماء... أسماء تقيلة أوي لو ظهرت للنور ممكن توقع البلد كلها. الفلاشة دي هي صندوقهم الأسود. وأنا سرقته."

كل معلومة كانت بتقولها كانت بتوسع حجم الكارثة اللي أنا واقع فيها. أنا مكنتش بساعد جارة، أنا كنت بساعد واحدة سرقت الصندوق الأسود لأخطر ناس في البلد.

"وإنتي مين؟ ضابط؟ صحفية؟ عميلة سرية؟"

"أنا كنت واحدة منهم يا أحمد." قالتها بصوت واطي، ولأول مرة أحس فيه بمرارة. "كنت بشتغل معاهم. كنت بساعدهم يخبوا قذارتهم. لحد ما قررت إن كفاية كده."

بصيتلها في الضلمة، ملامحها مكانتش واضحة أوي، بس قدرت أتخيل الصراع اللي هي فيه. دي مش مجرد ست بتنفذ مهمة، دي واحدة بتحارب ماضيها كله.

"طب وأنا؟ أنا ذنبي إيه أدخل في كل ده؟ أنا راجل متجوز وليا حياتي وشغلي!" بدأت أحس بالدموع بتتحجر في عيني من القهر. "ومراتي؟ هبة؟ زمانها راجعة الصبح مش هتلاقيني وهتتجنن!"

قربت مني خطوة، ومسكت دراعي تاني، بس المرة دي بحنية. "اسمعني كويس يا أحمد. من اللعبة دي مفيش خروج. حياتك القديمة، لازم تنساها دلوقتي. لازم تختفي. لو رجعت شقتك، هيلاقوك. لو رحت شغلك، هيستنوك هناك. لو حاولت تكلم هبة... هتبقى بتحط إيدك حوالين رقبتها وبتخنقها بنفسك."

كلامها كان قاسي زي السكينة الباردة. "هيعرفوا إنها مراتك، وهيستخدموها عشان يوصلولك. هيأذوها عشان يضغطوا عليك. لو بتحبها بجد، لازم تبعد عنها. لازم تختفي من حياتها تمامًا، على الأقل الفترة دي، لحد ما نعرف نتصرف."

في اللحظة دي، أنا انهرت. سندت بضهري على الحيطة واتزحلقت لحد ما قعدت على الأرض وسط القذارة. كل حاجة ضاعت. شقتي، حياتي، أماني، ومستقبلي مع مراتي. كل ده اتمسح بأستيكة في خلال ساعتين.

"مفيش وقت للانهيار دلوقتي." قالت بنبرة حازمة بس مش خالية من التعاطف. "لازم نمشي من هنا فورًا. أنا معايا مكان آمن هنروحله."

"مكان آمن فين؟"

"شقة قديمة في حتة شعبية، محدش ممكن يتخيل إني أروحها. قوم. لازم نتحرك قبل ما النهار يطلع والناس تملى الشوارع."

مدت إيدها ليا. بصيت لإيدها، وبعدين بصيت في عينيها. معرفش إيه اللي خلاني أثق فيها، يمكن لأني حسيت إنها طوق النجاة الوحيد في بحر الغرق اللي أنا فيه. مسكت إيدها وقومت.

"أول حاجة، موبايلك." قالت وهي بتشاور على جيبي. "اكسره وارميه. ده أول حاجة بيتعقبونا بيها."

طلعت الموبايل. بصيت على صورة هبة اللي على الشاشة. كانت آخر حاجة من عالمي القديم. غمضت عيني، وخبطته في الحيطة بكل قوتي مرة واتنين وتلاتة لحد ما الشاشة بتاعته اتكسرت وبقى حتت. رميت البقايا بتاعته في بالوعة مفتوحة في الحارة. حسيت كأني برمي قلبي معاه.

خرجنا من الحارة بحذر شديد. الشوارع كانت ابتدت يبقى فيها حركة خفيفة، عربيات النضافة وعمال المخابز. مشينا في شوارع خلفية ضيقة وضلمة، بنحاول نتجنب أي شارع رئيسي أو أي حد ممكن يشوفنا. منظرنا كان ملفت للنظر جدًا، فكنا بنمشي بسرعة وإحنا موطيين راسنا.

بعد حوالي نص ساعة مشي، وصلنا لمنطقة شعبية وزحمة، حتى والنهار لسه بيشقشق. بيوت لازقة في بعض وشوارع ضيقة. وقفنا قدام عمارة قديمة، دهانها مقشر والسلالم بتاعتها مكسرة.

"هنا."

طلعنا لحد الدور الرابع في صمت تام. فتحت باب شقة بمفتاح كان معاها. أول ما دخلنا وقفلنا الباب، حسيت إني أخيرًا قادر أتنفس.

الشقة كانت عكس شقتي تمامًا. كانت عبارة عن أوضتين وصالة، عفشها قديم ومتهالك، يادوب كرسيين وترابيزة وتليفزيون صغير فوق كومودينو. مفيهاش أي لمسة شخصية، كأن محدش عايش فيها. ريحة التراب كانت مالية المكان.

"ده المكان اللي هنستخبى فيه الفترة الجاية." قالت وهي بترمي نفسها على أقرب كرسي. الإرهاق كان ظاهر عليها جدًا.

قعدت أنا كمان وأنا ببص حواليا. حسيت إني في سجن.

دينا قامت وراحت ناحية التليفزيون الصغير وفتحته. الشاشة نورت وعملت وش، وبعدين جابت قناة إخبارية. المذيعة كانت بتتكلم عن حالة الجو.

"ليه فتحتي التليفزيون؟" سألتها.

"عشان أعرف هما هيغطوا الموضوع إزاي."

"يغطوا إيه؟"

قبل ما تكمل جملتها، شريط أخبار عاجلة ظهر تحت الشاشة. "حريق يلتهم شقة سكنية بمنطقة مصر الجديدة والجهات المعنية تحقق في وجود تسريب غاز."

قلبي وقف. مصر الجديدة... ده عنواني.

ثواني، والكاميرا جابت لقطات حية من الشارع بتاعي. من بيتي. شفت عربيات المطافي والإسعاف مالية الشارع. وشفت دخان أسود تقيل طالع من بلكونة شقتي... شقتي اللي كانت كل مملكتي.

وقفت قدام التليفزيون وأنا مش مصدق عيني. بيتي بيتحرق. ذكرياتي، حاجتي، كل حاجة... بتتحول لرماد.

"ده... ده مستحيل..."

دينا وقفت جنبي بهدوء. "دي طريقتهم يا أحمد. بيمسحوا أي أثر ليهم. دلوقتي القصة الرسمية إن حصل حريق بسبب تسريب غاز. مفيش باب مكسور، مفيش أي دليل إن كان في حد جوه. وبالنسبة لهم، يا إما أنا وأنت كنا جوه الشقة ومُتنا في الحريق، أو هربنا وبقينا مطلوبين للعدالة. في كل الحالات، حياتك اللي تعرفها... اتحرقت مع الشقة دي."

بصيتلها، وبعدين بصيت تاني للشاشة. شفت بيتي وهو بيتاكل قدام عيني. حسيت بإحساس غريب. حسيت بالضياع الكامل. بس وسط الضياع ده، اتولد إحساس جديد... إحساس بالغضب. بالرغبة في الانتقام.

هما محرقوش شقتي وبس. هما حرقوا أحمد القديم. وأنا معرفش مين هو أحمد الجديد ده، ولا هيعمل إيه.

الشمس بدأت تطلع، وخيوط النور الأولى اتسربلت من الشباك المتوسخ بتاع الشقة، ورسمت خطوط على الأرضية المتربة. التليفزيون كان مطفي، وصوت العالم اختفى. مفيش غير صمت تقيل بيني وبين دينا، وصورة شقتي وهي بتتحرق لسه بتعرض نفسها في دماغي زي شريط سينما معيوب.

خلاص. أحمد الموظف، الزوج، المواطن الصالح... مات في الحريق ده. واللي قاعد على الكرسي المتهالك ده واحد تاني، واحد خسر كل حاجة ومبقاش عنده حاجة تانية يخاف عليها. بصيت لدينا اللي كانت قاعدة قصادي، عينيها كان فيها إرهاق عميق، بس لسه فيها نفس الشرارة الذكية والمتمردة.

قامت وقفت، وقربت مني ببطء. المسافة اللي بيننا كانت بتقل، وأنا كنت حاسس إن أنفاسي بتتسارع مع كل خطوة بتاخدها ناحيتي. وقفت قصادي بالظبط، والمسافة بينا مكانتش تزيد عن شبر. ريحة البرفيوم الهادية بتاعتها كانت لسه موجودة، بس مختلطة بريحة تراب ودخان حريق، وده كان أغرب مزيج شمّيته في حياتي.

رفعت إيدها، وبأطراف صوابعها لمست وشي بالراحة، ومسحت خط من التراب كان على خدودي. لمستها كانت دافية، وفيها كمية حنية مكنتش متوقعها أبدًا.

"إحنا دلوقتي لوحدنا بجد يا أحمد." قالتها بصوت واطي، كأنه سر بيني وبينها. "مفيش حد في الدنيا دي كلها يعرف إننا عايشين غيرنا إحنا الاتنين. كل اللي فات اتمسح."

عينيها كانت مركزة في عيني، وشفت فيها انعكاس صورتي. راجل ضايع، ملامحه تعبانة، بس في عينيه نظرة جديدة، نظرة صلبة. قربت وشها مني أكتر، لدرجة إني حسيت بنفسها الدافي. اللحظة كلها كانت مشحونة، وكل خلية في جسمي كانت بتصرخ. بعد كل الرعب والدمار ده، هل دي لحظة الهدوء؟ هل وسط كل الخراب ده ممكن تتولد بداية جديدة ومختلفة؟ عقلي كان بيقولي إن ده جنون، بس قلبي كان بيقول حاجة تانية خالص.

غمضت عيني للحظة، مستني اللي هيحصل. مستني أي حاجة تخليني أحس إني لسه إنسان.

بس اللي حصل مكنش اللي أنا متوقعه.

فتحت عيني لما حسيت ببرودة معدن بيلمس كف إيدي.

كانت الفلاشة.

دينا حطت الفلاشة في نص إيدي، وقبضت على إيدينا إحنا الاتنين مع بعض. الفلاشة كانت زي قلب معدني بارد بينبض وسط دفا إيدينا.

"ده... ده كل اللي باقي من عالمنا القديم يا أحمد." قالت وهي لسه قريبة مني. "وده هو سلاحنا الوحيد في عالمنا الجديد. الرعب اللي عشته النهاردة، والبيت اللي اتحرق، والحياة اللي اتسرقت منك... الانتقام لكل ده موجود هنا."

بعدت خطوة لورا، وسحبت ترابيزة صغيرة حطتها بيننا، وراحت جابت من أوضة النوم لابتوب قديم ومتهالك، واضح إنه كان متشال هنا للطوارئ. وصلته بالكهربا وفتحته. صوت مروحة التبريد بتاعته كان عالي ومزعج، بس كان أحلى من صوت الصمت.

قعدت على الأرض، وشاورتلي أقعد جنبها. قعدت، وبقينا باصين لشاشة اللابتوب اللي نورت بنور أزرق باهت.

بصتلي بصة أخيرة، نظرة طويلة وعميقة. مكنتش نظرة إغراء ولا شهوة. دي كانت نظرة قائد لزميله في السلاح قبل ما يدخلوا المعركة. نظرة فيها سؤال واحد بس: "هل أنت مستعد تكمل الطريق ده للنهاية؟"

هزيت راسي ببطء، من غير ما أنطق ولا كلمة.

مدت إيدها ودخلت الفلاشة في اللابتوب.

صوت الويندوز وهو بيتعرف على جهاز جديد كان هو الصوت الوحيد في الأوضة. ثواني، وظهر على الشاشة فولدر واحد، مالوش اسم. مجرد أيقونة صفرا.

حركت صباعها على الماوس، ووقفت بيه على الفولدر. بصتلي تاني، وأنا هزيت راسي مرة تانية بتأكيد.

وداست كليك.

قد يعجبك أيضاً:

قصة جنسية مصرية مرات البواب بتخبط عليّا الفجر

قصة سكس نيك مصرية لما قابلت صديقة أختي

Zake
Zake
تعليقات